الانتصار الكبير في الزمن الصعب !! (1)
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى.. أما بعد
لا شك أن العالم العربي تعرض لمؤامرة كبرى قادتها دوائر التخطيط في الدول الغربية عموماً وأمريكا وبريطانيا خصوصاً ، ودعمتها قيادات تلك الدول طمعاً في تمزيق الدول العربية والهيمنة عليها ، وإضعافها وتشتيت جهودها في مقاومة أي مخطط يُرسم لها خصوصاً ، وللشرق الأوسط عموماً ، وقد أعلنت القيادة الأمريكية ما يُسمى بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير في عام 2004م في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ، وهو يضم جميع الدول العربية ، وتركيا و إيران ، وباكستان وأفغانستان ، بالإضافة إلى إسرائيل !.
وفي عام 2005م أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عن أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط في سبيل إشاعة الديمقراطية في الدول العربية والإسلامية !!.. وهذه النظرية الخبيثة مقصداً ، والغبية تطبيقاً يرى الغرب من خلالها أن المجتمع إلى وصل إلى أقصى درجات الفوضى التي لا تتحقق إلا بالعنف والإرهاب والدم ، وإحداث الرعب والخوف فيه ، فإنه يكون بعد ذلك قابلاً لإعادة بنائه وفق هوية جديدة تَرْسُم له توجهاته المستقبلية! على النمط الغربي !.
وما كانت خطة الشرق الأوسط الجديد ، وتبني خيار الفوضى الخلاَّقة إلا مشروعاً كبيراً لتحقيق ما يصبو إليه الغرب من تمزيق العرب وإضعافهم! ، وتحقيق التفوق الكبير والساحق للاحتلال الصهيوني وتمكينه من تثبيت دعائم قوته وسيطرته على الشرق الأوسط! ، بالإضافة إلى دعم وتمكين الرافضة في إشعال الفتن وتصدير الثورات إلى جميع البلدان العربية لتحقيق أكبر ضغط على قيادات وحكومات تلك الدول للقبول بكل ما يُملى عليها من سياسات وتوجهات تضر بها وبمصالح شعوبها!! ، وتخالف قيمها ومبادئها الدينية والمجتمعية !.
ولكي ينجح الغرب في مخططه لإضعاف العالم العربي وتمزيقه فقد جنَّد كل معادٍ لوطنه! ، أو حاقد على مجتمعه! ، أو ساخط من أوضاع سلبية ، أو تصرفات غير مسؤولة هنا أو هناك.. كما أن الغرب دعم ما يُسمى بحركات الإسلام السياسي اللاهثة وراء السلطة بأي ثمن! ولو كان ذلك الثمن هو دينها ومبادئها ومصالح أوطانها وأبناء شعوبها ! ، وما ذلك بحب من الغرب للإسلام وأهله ، وإنما مخادعة للشعوب الثائرة لتظنَّ أنها أسقطت المستبدين وأتت بالإسلاميين المُدَّعِين للإصلاح والصلاح!! ، وقد يجعلها الغرب أداة مرحلية ليس إلا!.
و كان عام 2011م هو عام الثورات والاحتجاجات ، واحتدام النزاعات داخل المجتمعات العربية! ، واختلال الأمن واضطراب الأحوال! .. وخرجت المظاهرات الحاشدة تطالب بإسقاط الأنظمة! ، ولا ترى ولا تقبل قيادات تلك الحشود وجماهيرها إلا حلاً واحداً هو إسقاط النظام! مهما كانت العواقب والنتائج والآثار المدمِّرة على المجتمع كله أرضاً وإنساناً !! ، متناسين أن الأعداء يتحينون فرصة اختلال الأمن ! ، وضعف السيطرة! ، واحتدام الخلاف والاقتتال المجتمعي ! لتحقيق المآرب! ، وفرض الإملاءات والشروط على القيادات والشعوب المنهكة من جراء تلك الفوضى المدعومة والموجهة من تلك الدول النافذة والمتحكمة في خيوط المؤامرة!.. وفعلاً دعم الغرب تلك الثورات وسمّاها بثورات الربيع العربي! ، فتهدد الأمن الوطني والقومي لجميع البلدان العربية!!..
ولستُ هنا أنكر أن لبعض تلك الثورات أسباباً داخلية ، منها : الظلم والفقر ، والفساد الإداري والمالي والسياسي وغير ذلك .. ولكن ليس كل ذلك أو بعضه هو ما يحرك الغرب ، وإنما يحركه خطة رسمها ، ورؤية رآها تحقق له مزيداً من إضعاف الدول العربية والهيمنة عليها خدمة لمصالحه ، لا رحمة بالضعفاء والفقراء والمعوزين من أبناء العالم العربي والإسلامي! ، وإلا لكان أجبر الاحتلال على إنهاء الاستيطان ، والقبول بحل عادل وشامل لقضية الشعب الفلسطيني!.
ولو كان الغرب رحيماً مشفقاً على المنطقة وشعوبها لأرغم إيران الصفوية على إيقاف عدوانها على جيرانها وتدخلاتها في الدول العربية بزرع المخربين بين أبنائها! ، وإثارة الفتن والقلاقل فيها !.. بل لكان أسقط نظامها المجرم المستبد المتخلف الذي يعيث في الأرض فساداً ، ويهدد العالم كله بامتلاك السلاح النووي!! ، الذي لا يريده إلا سيفاً مصلتاً على رقاب ورؤوس جيرانه في الخليج والمجتمع العربي المحيط به !.
ومع اشتداد الثورات واتساعها ، وسقوط بعض الأنظمة العربية! ، وهيجان الشعوب! ، وتجنيد كل وسائل التواصل الاجتماعي ، وكل محدثات التقنية ووسائلها لنشر الفوضى وتهييج الشعوب! ، وإثارة النعرات العرقية والطائفية ، فقد زاد الغرب باستخدام وسائله الدبلوماسية للضغط على قيادات الدول العربية رغبة منه في استمرار مسلسل إسقاط الأنظمة واحداً تلو الآخر!! ، وأصبح الغرب يتلمظُ فرحاً وترقباً متى تصل نيران ثورات الخراب إلى دول الخليج العربي! ، بل إلى قلب العالم العربي والإسلامي وقبلته : المملكة العربية السعودية !
وفي هذه الظروف العصيبة التي ادْلَهَمَّ ليلها ، وعَظُم خطبها كانت وقفة المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً هي السد المنيع ، والسيف الصقيل في وجه كل طامع أو متآمر على العرب من المحيط إلى الخليج ! ، وكان معها في الموقف والرؤية دولتين شقيقتين لا يهضم حقهما ولا يُنسى فضلهما هما : دولة الإمارات العربية الشقيقة ، ودولة الكويت الشقيقة.. ولا شك أن دولة الإمارات الشقيقة تقاسمت مع المملكة الجهد والبذل والمواقف ، واتحدتا في الرؤية والتخطيط وملاعبة الخصوم ، ومقارعة الأعداء على كل الصعد وفي كل الاتجاهات ، حتى حيَّرتا أعداءهما ، وفاجأتا خصومهما بما لا يخطر لهم على بال!.. فاستنقذتا مصر الشقيقة من مستنقع الفوضى والخراب! ، وانتزعتا البحرين الشقيق من فم التنين الإيراني إن صحَّ التعبير!..
وأما استهدافهما في مجتمعيهما فقد قضيا على كل التهديدات في مهدها ولله الحمد.. ثم إنهما نازلا إيران الصفوية على أرض اليمن ومرغا أنفها في التراب!!.. كما أنهما استطاعتا أن يوجها بوصلة الأحداث وجهة أوقفت تداعي الأحداث! ، وأعادت للعرب شعور التلاحم والتعاون البناء الذي يحفظ سيادة الأوطان ، ويبني مستقبلها ، ويعالج إشكالاتها المجتمعية وفق رؤى وطنية طموحة لا مجال فيها لمن يحمل أفكاراً تخريبية ! ، أو يكون أداة في مشاريع أجنبية!، أو يتناغم مع أجندات ومخططات تسعى للإضرار بالوطن العربي في أمنه واستقراره ورخائه.
ولقد حاول الأعداء بشتى الوسائل أن يدقوا اسفين خلاف بين القيادتين والشعبين الشقيقين إلا أن كل المحاولات رغم كثرتها وخُبثها وقوتها لم تفلح في إحداث ذلك البتة!! ، وكان أجمل ردٍّ وأقواه هو رد سمو الأمير خالد الفيصل حفظه الله : ( الإماراتي سعودي ، والسعودي إماراتي ) فألجم كل ناعق ، وأفحم كل مدَّعٍ بوجود خلاف بين الدولتين الشقيقتين!.
وأما الشيخ محمد بن زايد حفظه الله فقد خاطب سمو الأمير محمد بن سلمان بالأخ الصديق العزيز واستشهداً بقول والده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله تعالى : ” الإمارات مع السعودية قلباً وقالباً ، ونؤمن بأن المصير واحد ، مفروض علينا بأن نقف وقفة رجل واحد ، وأن نتآزر فيما بيننا “.
لقد كانت معركة المواجهة قوية وشرسة وخطيرة! ، وكانت تحتاج إلى قيادات فذَّة وعبقرية ، وذات حنكة ودهاء ، وحكمة وشجاعة ! وهذا ما تميزت به قيادتا البلدين! فحققتا بفضل الله تعالى نصراً كبيراً في أوضاع مرتبكة ، وظروف صعبة جداً ، وفي زمن يصعب الانتصار فيه! ؛ لأن الغرب يقود العالم ويحركه! ، ولا ينصت لرأي يخالف تصوراته! ، ولا يستجيب لمطلب لا يحقق أطماعه وتطلعاته! ؛ ولأن البلدان العربية قد تهاوت أغلبها! ، فهي ما بين من فقد سيادته! ، ومن اختلَّ أمنه واضطربت أحواله! ، ومن شُغل بأموره ومشاكله الداخلية!.. ورغم كل ذلك كان النجاح الكبير الذي نعيشه اليوم بفضل الله وتوفيقه ، ثم بجهود قيادتي البلدين الشقيقين ، وبوقوف الشعبين الأصيلين خلف قيادتيهما في كل المواقف ، وتحت كل الظروف!.
إن هذا الانتصار الذي العظيم يجب أن يُذكر ويشاد به! ، وأن يخلد للأجيال! ، وتؤخذُ منه العبر والدروس المستفادة ؛ لأنه أوقف خطراً داهماً على الأمة العربية والإسلامية كان هدفه تمزيق كيانها! ، وتشتيت وحدتها! ، وإضعاف قوتها! ، والسيطرة على مقدراتها! وجعلها نهباً للطامعين المتربصين من أعدائها !.
وما زال للنصر الكبير حكاية تُروى في حلقة أخرى إن شاء الله.
د. علي بن يحيى جابر الفيفي
الخميس 29 ذي الحجة 1443ه.