الانتصار الكبير في الزمن الصعب !! ( 6)
فشل حملات التشويه والتضليل الإعلامي
بعد أن واجه الغرب في حملته العدوانية على العالم العربي والإسلامي مقاومة شعبية ، وتكبد خسائر بشرية ومادية كبيرة كما حصل في أفغانستان والعراق.. أصبح يراهن على إثارة الشعوب وتأليبها على الحكام! ، وتشجيع الأقليات الساخطة على مجتمعاتها! ، وتبني كل من يعارض السلطة! ، أو يتمرد على قيم المجتمع !.
والغرب بهذه السياسة يأمل أن يحقق ما يسميه الفوضى الخلاَّقة التي تعصف بالمجتمعات العربية خصوصاً ، والإسلامية عموماً.. وهو بذلك يريد أن يبقى الداعم والموجه ، والمتدخل في الوقت الذي يراه مناسباً لترجيح كفة ! ، أو تعديل مسار يخالف الخطة المرسومة من قبله!.
وهذه السياسة تعفي الغرب من التدخل المباشر كما فعل في العراق وأفغانستان! ، وتعطيه في الوقت ذاته قدرة على استخدام الوسائل المؤثرة جداً في توجيه الرأي العام! ، وزرع الفتن في كل البلدان المستهدفة! ، وتحريك المنظمات الحقوقية لتخدم التوجه الغربي ! ، ورفع الشعارات البرَّاقة باسم الحرية وحقوق الإنسان! ، وتداول السلطة! ، والمشاركة المجتمعية في القرار السياسي وغيره!.. وكل الدعاوى الغربية ( سراب يحسبه الضمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) ؛ إنما هي تضليل وخداع يستخدمها الغرب لتحقيق مآربه! ، فإذا خالفت مصالحه أكلها وشربها ، ومزَّقها ودفنها تحت ركام أكاذيبه!!.
وفي معركة البقاء والتصدي التي خاضتها الدول العربية ضد المخطط الغربي في أحداث الثورات العربية وما تبعها!، ظهرت خطورة الحملات الإعلامية التي شنت لتشويه القيادات العربية! ، بل والواقع العربي كله! ، والتي جنّدت لها كل وسائل التواصل الاجتماعي ، والمحطات والقنوات الفضائية! ، والصحف والمجلات وغيرها! ، ووظِّفَ لها كل محلل حاقد كاذب ، ومفكر متلوث الفكر خائب ، وكانت تلك الحملات تهدف إلى أمرين :
الأول : التشويه المتعمّد لكل الحقائق ، والوقائع ، والقيادات ، والأشخاص ، والهيئات الاعتبارية! في الدولة ، أو الدول المستهدفة!.
فتقوم وسائل الإعلام المعادية باتهام القادة العرب بالدكتاتورية! ، والتسلط والاستبداد! ، ونهب ثروات البلد!.
وتتهم علماء البلد ودعاته إذا حذروا الناس من الفتنة والفوضى والاضطراب بأنهم علماء سلطة! ، وأنهم مداهنون في دين الله! ومتملقون للحاكم ! ، وغير ذلك من الأوصاف التي تُنَفِّرُ الناس عن قبول قول العالم أو الداعية!.
ولم تبقِ تلك الوسائل جهة ترفد الدولة ، أو تساهم في بقائها واستقرارها إلا وتناولتها بالهجوم والتشويه المتعمّد ، فهي تهاجم وتتهم جميع الجهات الحكومية إذا قامت بدورها في ضبط الأمن ، وتطبيق النظام بأنها تقمع الناس! وتتسلط عليهم بلا رحمة! ، أو مراعاة لحقوق الناس وكرامتهم !.
وتتهم القضاء بأنه مسيس وخاضع لتعليمات الحاكم!.. ، وهكذا كل شؤون الدولة المستهدفة بالحملة الإعلامية الموجهة فلم تبقِ جهة إلا وتناولتها بالتشويه المتعمّد! .
فهذا هدف تلك الحملات الأول ، وهو التشويه لقيادات الدولة وسياسييها وعلمائها ، ومؤسساتها الاعتبارية!، ومنظومتها النظامية والاجتماعية ؛ ليصل المواطن والمقيم إلى قناعة تامّة بضرورة التخلص من الواقع الذي أصبح في نظره سيئاً جداً ، ومشوهاً لدرجة لا يمكن معها إصلاحه! ، بل لا بد من استئصاله ؛ لنصل إلى واقع آخر مغاير له تماماً!!.
وأما الهدف الثاني لتلك الحملات المغرضة ، فهو : التضليل المتعمّد للجماهير التي هاجت وماجت ، واضطربت أحوالها ، وتأثرت بحملة التشويه التي طالت كل رموز الدولة ومؤسساتها!.
فبعد تشويه الجهات المستهدفة في الدولة ، يأتي تضليل الجمهور وتوجيهه وفق أهداف وغايات مرسومة مسبقاً! ، توحي له بأن ما حصل ليس فتنة أو اضطراباً مجتمعياً ، وإنما هو نصر مبين!، وفتح عظيم!.
ومن صور التضليل الإعلامي للشعوب الثائرة أن القادة الذي شوهت صورهم! ، واتهموا بكل نقيصة! ، أن يأتي في مقابل ذلك تلميع أشخاص! ودعمهم والثناء عليهم! ، وإبرازهم كمنقذين للشعب من الحالة التي وصل لها! .
وفي الغالب أن الغرب يتبنى أكثر من شخص ! ، وأكثر من تنظيم أو جهة! ، ليحقق بذلك : تمزيق المجتمع ، وخلخلة نسيجه الاجتماعي ؛ ليزداد فرقة وتناحراً ، ويزداد بذلك ضعف كل فريق وحاجته إلى الدعم الخارجي!. والهدف من ذلك أن يجد الغرب له مقعداً ، بل مقاعد على طاولة اقتسام كيكة البلد!، ونهب ثرواته!.
وفي مقابل اتهام العلماء والدعاة المحذرين من الفتنة وتبعاتها! ، يؤتى بآخرين يُقَدَّمُون في الإعلام على أنهم الصادحون بالنصح الخالص ، والصادعون بالحق الأبلج الواضح!.
وإذا تمردت وزارة! ، أو رفضت جهة رسمية التعليمات الصادرة لها من القيادة العليا في الدولة ، وصفت بأنها انحازت إلى خيار الشعب! ، وهكذا.. وأي شعب! ، وقد أصبح منظمات وأحزاب تتناحر وتتقاتل ، وكل تنظيم يرفض الآخر ويقصيه ! ، وكل حزب بما لديهم فرحون.
والنتيجة المرة لكل ذلك : هي تضليل للبسطاء ، وتهييج للفتنة العمياء! ، وزعزعت للكيان المتماسك ، وتعطيل لمصالح الناس ، وضرب للمجتمع الواحد بعضه ببعض ، بل سفك للدماء! ، وتخريب للممتلكات! ، وإضعاف لشوكة الأمة! ، وتحقيق لأطماع أعدائها!.
وما تلك الوسائل التي تمارس حملات التشويه والتضليل إلا أبالسة يتراقصون في حفلات أفراحهم التي يقيمونها ابتهاجاً بمآتم أعدائهم!.
ومع ضخامة حجم تلك الحملات ، وتنوع منابرها ، وقوة تأثيرها! ، وما رافقها من الدعم السياسي الغربي! ، وتبني بعض المنظمات الحقوقية الغربية لها! ، إلا أن الدول العربية المتصدية لمخاطر تفتيت الكيان العربي وتمزيقه ! ، وإضعاف وحدته ، استطاعت التصدي لتلك الحملات وإفشالها بفضل الله وعونه وتوفيقه.
وكان النجاح في ذلك بعد توفيق الله هو بتغيير الواقع على الأرض! ، وضبط الأمن! ، وفرض النظام!، والبدء بعمل جاد ملموس ، يشمل : الإصلاح السياسي ، والاقتصادي ، والعمل في إطار رؤى تعالج الواقع ، وتستشرف المستقبل ، وتحافظ على الوطن ، وتتعامل مع المنظمات الدولية وفق رؤية معتدلة تقبل القرارات التي تخدم المجتمعات ، وتحقق للإنسان الحرية والكرامة وفق ضوابط لا تتعدى على سيادة الأوطان! ، وترفض التسييس الغربي لحقوق الإنسان! ، والشعارات البرَّاقة التي يستخدمها الغرب لتحقيق مآربه ، في مقابل الإضرار بمصالح الدول المستهدفة وأمنها واستقرارها!.
ورغم بقاء تلك الحملات ، بل وتجدد الهجمات الإعلامية على الدول العربية ببين الحين والآخر ، خصوصاً المملكة العربية السعودية ، ودولة الإمارات الشقيقة ؛ إلا أن الواقع قد تغيّر ، والوعي العام قد ارتفع! ، والشعوب قد دفعت من دمائها وأرزاقها ، وأمنها واستقرارها ما جعلها تدرك خطر الانفلات الأمني! ، والاقتتال المجتمعي!.
وأصبح الشباب العربي يبحث عن النمو والرخاء ، والعلم والمعرفة ، وبناء الأوطان بسواعد أبنائها! ، وليس بشعارات الأحزاب اللاهثة وراء السلطة! ، أو تنظيرات الغرب الكاذبة عن الحرية والديمقراطية والمساواة التي أتيح للغرب أن يطبقها فعلياً على أرض الواقع أمام أعيننا في بلاد العرب والمسلمين في العراق وأفغانستان فرأينا الحرية والديمقراطية والمساواة التي يتشدق بها الغرب ويَعِدُ بها الشعوب الثائرة!.
رأينا الغرب يقدمها في الدول التي سيطر عليها ، دماءً تسيل! ، وأعراضاً تنتهك! ، ومحاصصة تشل أركان الدولة! ، وفساداً لا نظير له! ، وتمزيقاً لنسيج المجتمع الواحد! ، ونهباً لثرواته! ، وإذلالاً لأبنائه!.. ودعماً للفاسدين والعملاء! ، وإقصاءً للوطنيين المصلحين!.
لقد هُزم المشروع الغربي رغم الشعارات البرَّاقة التي يرفعها ؛ لأن الله لا يصلح عمل الفاسدين ؛ ولأن الواقع يفضحهم ؛ ولأن العالم أصبح مكشوفاً أمام الجميع ، فالإعلام الذي يخدمهم في توجهاتهم ، هو أيضاً يفضحهم في تناقضاتهم!.
فالحمد لله ما النصر إلا منه ، ولا يوهن كيد الأعداء إلا هو جلَّ في علاه.
وما زال للنصر الكبير حكاية تُروى في حلقة أخرى إن شاء الله.
الخميس 5 صفر 1444هـ .