لا يهمني كثيراً مضمون تقرير الـ CIA بشان مؤامرة مقتل جمال خاشقجي سواء كان تقريرا تحليلياً او معلوماتياً.
مايهمني هو روح الغل والعداء الذي كُتب به هذا التقرير ، وهو الامر الذي يوحي باننا مازلنا في بداية الطريق لاستهداف المملكة التي تُعتبر هدفاً استراتيجياً بعد الهدف التكتيكي “ العراق” .. وقد ذكرت في سلسلة تغريدات ابان عودتي للكتابة في تويتر قبل عامين ان ولاية ترامب الثانية او اي رئيس اخر من بعده سوف يستهدف حينها السعودية باعتبار ان مهمة ترامب هو التمهيد لذلك الاستهداف .. كما ان الذين قللوا من اهمية تصاريح بايدن ابان حملته الانتخابية لايزالون يقللون من اهمية تقرير الـ CIA من خلال النظر “لمضمونه” الباهت ، وليس “للنوايا” التاريخية ، فاذا كانت الإدارة الأمريكية قد قدمت قبل سقوط العراق 2003 مجموعة من التبريرات (( الكاذبة)) لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب على العراق واحتلالها والتي كان من ابرز تلك التبريرات امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل والتي نفتها العراق انذاك حيث تبين فيما بعد عدم صحتها باعتراف امريكي فاننا اليوم امام عملية قتل اعترفت فيها السعودية في ظل ملفات فُتحت ولم تغلق بعد .. كان فتحها ضرورة مُلحة كحرب اليمن كي لاتُسيطر ايران على اليمن باكمله ، وملفات اخرى اريد منها اصلاح مرحلة صناعة الفشل والترهل التي تسوغ سقوط الدولة ، لكن ثمة روؤس دولية دخلت بطريقة غير مباشرة لتأزيم تلك الملفات تمهيداً لهذه المرحلة البايدانية التي تستكمل المرحلة الاوبامية في بسط مشروع الشرق الاوسط الجديد.
على ان الفرق بين السعودية اليوم والعراق ابان احتلاله 2003 هي في عدة امور :
الاول : قيادة سعودية حكيمة وحليمة ويصعب استفزازها كما هو حال صدام حسين .
الثاني : ان السعودية تعيش حالة من الاستقرار في ظل قوة اقتصادية وعسكرية بفعل ادارة تعي المخاطر وتستعد لهذه المرحلة و الذي يختلف عن وضع العراق الذي خرج من حرب دامت ثمان سنوات فقيراً ليحتل دولة اخرى تدخله في حرب وحصار اقتصادي لثلاث عشر سنة اخرى .
الثالث : ان السعودية تمتلك ادوات اقتصادية بفعل تزعمها لمصدري النفط حول العالم وادوات عقدية بفعل تزعمها للعالم الاسلامي ، وادوات دبلوماسية بفعل علاقاتها الدولية مع البعيد والقريب وخصوصا روسيا عسكريا والصين اقتصاديا .. ولن اتحدث كثيراً عن القوة العسكرية لان الحرب التي سوف تستخدمها امريكا ضد السعودية هي عبر الحروب الحديثة التي تشبة التفاصيل الغامضة في عملية مؤامرة مقتل جمال خاشقجي .
الرابع : قيمة السعودية باعتبارها قبلة المسلمين في وجدان شعوب العالم الاسلامي .
لكن… جميع عناصر القوة تلك التي استعرضناها اعلاه لاتخفى على الادارة الامريكية وبالتالي فان اعداد خطتها التالية لاستهداف السعودية سوف تكون عبر ادوات ووسائل تتجاوز بها عناصر القوة تلك وبالتالي فاني اتصور استهداف السعودية مستقبلا وفق السيناريو التالي :
استمرار مساعيهم لشيطنة القيادة السعودية وخصوصا سمو ولي العهد في عين الداخل والخارج .. لعزلة عن المحيط الداخلي والعربي من اجل قطع الطريق على اية عملية تعاطف مستقبلي في مرحلة الفتنة التي تستهدف دائرة اصغر من دائرة الشعب لغاية احداث فراغ في السلطة ينشب على اثرها شرارة الصراع والاقتتال من اجل السلطة على غرار ما ورد في الحديث “المكذوب” فيه على الرسول ﷺ (يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة ، كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصل إلى واحد منهم ، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق ، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم – ثم ذكر شيئا – فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدي )
هذا الاقتتال الذي يخططون له يراد له ان يكون بغطاء شرعي باعتباره نبؤة نبي وليس مخطط دول لها امتداد شيطاني بعمر ابليس نفسه الذي حرف الاديان كلها وصاغ المؤامرات عبر التاريخ .. والغاية الاخرى اضفاء شرعية على عقيدة مهدي ايران الذين يعتقدون أنّه موجود الآن، وينتظرون خروجه من سرداب سامراء حيث سبق ان تحدث بذلك الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في تصريحات عديدة و المثيرة للجدل عن قرب ظهور المهدي المنتظر ، ففي الحديث اعلاه اشارة للمبايعة ولو حبوا على الثلج .. ومن المعروف ان الثلج لايسقط في السعودية الا ماكان في شمالها وفي العراق وايران .. بل ان مهدي السنة لايظهر وفق معتقد (بعض) السنة الا في مكة والشهيرة بالطقس الحار صيفا والدافيء شتاء والذي لم يسبق ان سقطت عليها الثلوج او حتى يعتقد بذلك وبالتالي فرمزية الحديث تتجه لمهدي ايران اكثر من مهدي السنة بالرغم من ايمان بعض اهل السنة بهذا الحديث ، وفي ذات الوقت يعطي هذا الحديث المكذوب شرعية اخرى لداعش او الحشد الشعبي عندما يقدمون من الشرق لقتل السنة شر قتلة ..
ولعلي ذكرت في تغريدات سابقة ان داعش قادمة ، وذكرت في تغريدتين بقت لايام ثم حذفتهما منذ تقريبا شهر ونيف ذكرت فيهما ان الادارة الامريكية سوف تسعى جاهدة لابعاد سمو ولي العهد محمد بن سلمان من المشهد السياسي ( اتمنى استحضارها لمن صورها منكم ) .. وغاية ذلك هو التمهيد للسيناريو الذي تم استعراضه اعلاه لكن من الواضح ان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز “حفظه الله”قد نهر الرئيس الامريكي جو بايدن اثناء المكالمة الهاتفية اول امس عندما اراد التدخل في الشان السعودي والتعدي على سيادتها وهو الامر الذي منحني شعور عظيم جداً بالارتياح “ المؤقت” لان هذا الشعور لا يلغي اننا اليوم امام مخطط شيطاني لاسقاط هذه الدولة المباركة وتفتيتها والتشكيك في منهج اهل السنة والجماعة والترويج لمنهج وعقيدة ملالي ايران الذي خدم الغرب في بسط مشروع الشرق الاوسط الجديد وقاتل العرب بالنيابة عن اسرائيل حتى سقطت الجيوش ، وضعفت الاخرى ، وفُتحت الحدود ، ونُهبت الثروات ، وهُجرت الشعوب ، وضاع الامن .
ومن المهم ان نستذكر مشاعر اغلب العرب ابان الثورات العربية انذاك ، فلو ان احد شرح لهم حال العرب اليوم باعتبار الثورات مخطط اجنبي لقال الاغلبية انه سيناريو شاطح .. وقتها كتبت عن ذلك وحذرت قبيل سقوط حسني مبارك بايام في منتدى الشبكة الليبرالية وواجهت حينها هجوم شرس وسخرية بحجم السخرية التي سوف يواجهها هذا المقال الاستقرائي .. الامر الاخر هناك فرق بين المشاعر المتشائمة التي لاتستند على شيء وبين المعطيات المتشائمة التي تستند على ذاتها باعتبارها معطيات يفرضها الواقع والتاريخ ، وبالتالي لايصح ابداً تهوين مخطط الاستهداف ، فتارة تهوين تصاريح بايدن ابان حملته الانتخابية واستحضار تصاريح قديمة لسمو الامير بندر بن سلطان بهذا الشان في مراحل مختلفة عن مرحلتنا تلك ، وتارة تهوين نوايا الادارة الامريكية ابان التقرير الذي ظهر امس بشان مؤامرة مقتل خاشقجي ، وسوف يظل البعض يمارس خطاب التهوين حتى نصل لمرحلة تذوب فيها ادواتنا الدفاعية القوية في وحل هذا التهوين ، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج .. ولو نجح صدام حسين في استقراء المستقبل لما وقع في فخ الغرب الذي بموجبة دُمر العراق وفُتحت ابواب الشر في وجه العرب ، وبالتالي فالسعودية اليوم تحتاج لسلسلة من الاجراءات الوقائية نتجاوز بها سياسة المهادنة والتريث وخصوصا فيما يتعلق بترتيب البيت من الداخل .. ومد جسور من التعاون الدولي شرقاً .. ويقيني ان قيادتنا تدرك ماهو ابعد من هذا الطرح وتجيد انتقاء ادواتها الاحترازية بعمق وحكمة ، فمن صنع النجاح غير المسبوق دولياً في اجراءات الاحتراز من كورونا “المفاجي” لن يكون صعباً عليه اتخاذ اجراءات احترازية للتهديد السياسي والامني “المتوقع” .. دمتم ودام الوطن وقيادتنا بخير ،،،
جاسر الماضي
حرر بتاريخ 27 فبراير 2021