أعلنت سلطات النظام الإيراني، اعتقال الأشخاص المتورطين في تفجيرات كرمان الأخيرة، واكتشاف عدة قنابل، وذلك بعد التفجيرات التي وقعت يوم الأربعاء الماضي، خلال مراسم إحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني، وفي الوقت نفسه، انتقد الكثيرون عدم كفاءة قوات الاستخبارات، وشككوا في قوة النظام الأمنية.
بعد ظهر هذا اليوم، وبالتزامن مع مراسم إحياء الذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذي قُتِل في العملية الأميركية، وقع انفجاران على طريق “مقبرة الشهداء” في كرمان، مما أديا إلى مقتل 91 شخصًا وجرح أكثر من 200 آخرين.
وتبنى تنظيم داعش، في بيان له، المسؤولية عن هذه التفجيرات، وأعلن أن اثنين من عناصره قاما بعملية انتحارية.
وقد أصدرت وزارة الاستخبارات الإيرانية بيانًا مساء أمس الأول، الجمعة، قالت فيه إن أحد الانتحاريين الاثنين في تفجيرات كرمان كان يحمل الجنسية الطاجيكية، ولم يتم التأكد بعد من هوية الشخص الثاني بشكل نهائي.
وأعلنت الوزارة إلقاء القبض على شخصين قاما بتجهيز مقر إقامة هؤلاء المهاجمين في كرمان، وتسعة أشخاص في محافظات مختلفة بتهمة الارتباط بهذه التفجيرات.
أنباء عن اكتشاف قنابل أخرى
وقال المدعي العام في كرمان، مهدي بخشي، مساء أمس، السبت، إنه “تم القبض على جميع المتورطين في انفجار كرمان”.
وأوضح: “في الأشهر الأخيرة، تم القبض على 32 شخصًا على صلة بهذه القضية ويخضعون للاستجواب”.
وأعلن أنه تم اكتشاف 16 قنبلة في كرمان كانت قوتها الانفجارية أكبر من سترات الانتحاريين.
وأضاف بخشي: “في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية، تم اعتقال عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا يعتزمون تنفيذ عمليات انتحارية، بينهم 23 عنصرًا من داعش كانوا على استعداد لتنفيذ عمليات انتحارية”.
وقال أحمد توكلي، رئيس المنظمة القضائية للقوات المسلحة في كرمان، إنه تم العثور على 16 قنبلة جاهزة للانفجار في كرمان، استهدفت “مقبرة الشهداء” و”قبر قاسم سليماني”. وبحسب قوله، فقد تم العثور على أكثر من 60 قنبلة في عدة محافظات أخرى.
بعد ذلك، نشرت وكالة أنباء “إيسنا” مقطع فيديو، وذكرت أنه في الليلة التي سبقت وقوع الانفجارات في منطقة مقبرة شهداء كرمان، تم اكتشاف سيارة مفخخة، وقامت القوات الأمنية بتحييدها بالقرب من مكان دفن القائد السابق لفيلق القدس.
ومع ذلك، قال المدعي العام في كرمان: إن “المنطقة بأكملها” تمت مراقبتها في تلك الليلة، و”لم يتم اكتشاف أي شيء”.
ووصف مسؤول العلاقات العامة في فيلق ثار الله كرمان للحرس الثوري، اليوم، الأحد، هذا الأمر بأنه “شائعات وأكاذيب”، وقال: “في الأيام الأخيرة، وبُناءً على بعض التقارير العامة، صدرت أوامر لوحدة الفحص والتحييد التابعة للحرس الثوري الإيراني بالتحقيق في التقارير، والحالات التي تم فحصها لم تكن قنابل”.
اعتقال مواطنين بتهمة الإساءة لضحايا مراسم سليماني
نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد وقوع الانفجارات، آراء مختلفة، ركز الكثير منها على اتهام النظام بالتورط في هذه الانفجارات، و”وهم” القوة العسكرية للنظام الإيراني.
ورأى بعض المستخدمين، ومن بينهم شخصيات معروفة، تورط النظام والحرس الثوري في هذه الهجمات، كما وصف آخرون بعض القتلى بأنصار النظام.
ويعتقد البعض أيضًا أن السلطات الأمنية في إيران كانت على علم بالتهديدات في كرمان، لكنها رفضت عمدًا إلغاء المراسم، وتسببت في مقتل مدنيين.
وفي السياق نفسه، أشار كثيرون إلى عدم وجود أي مسؤول رفيع بين القتلى وعدم مشاركة عائلة سليماني في الحفل.
وأعلن رامين باشايي، مساعد رئيس الشرطة السايبرانية، أمس، السبت، تحديد 500 صفحة إنترنت “تهين شهداء كرمان”، وقال إنه تم “تحديد هُويِّة مديري هذه الصفحات، ووضعهم تحت المراقبة الإلكترونية، واستدعاؤهم”.
كما أفادت بعض وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري الإيراني، بأنه تم اعتقال عدد من المواطنين في طهران، ويزد، وبوشهر، وسمنان، وخراسان شمالي، بسبب ما سموه “إهانة قاسم سليماني ومراسم الذكرى السنوية له”.
وتشير المعلومات، التي تلقتها “إيران إنترناشيونال”، إلى اعتقال عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة “إهانة” ضحايا مراسم سليماني في كرمان.
وأعلنت وكالة أنباء “فارس”، التابعة للحرس الثوري، أن مكتب المدعي العام في طهران استدعى “سبع شخصيات مشهورة في الفضاء الإلكتروني”، ووجه إليهم تهمًا بسبب تصريحاتهم المتعلقة بتفجيرات كرمان.
وأعلنت الوكالة أيضًا توجيه تهم ضد الأستاذ في جامعة طهران، صادق زيباكلام، وأحد المغنين.
وقال رئيس المحكمة العليا في البلاد، محمد جعفر منتظري، إن “بعض الأشخاص أهانوا في الفضاء الإلكتروني، الشهداء، خاصة قاسم سليماني”، وطالب السلطات الحكومية باتخاذ إجراءات “حاسمة” لـ “معاقبة” هؤلاء المواطنين.
عدم كفاءة قوات الاستخبارات في توفير الأمن
بعد تفجيرات كرمان، والتصريحات المتناقضة لمسؤولي النظام حول اعتقال المتورطين في هذه التفجيرات واكتشاف قنابل أخرى في البلاد، أكد العديد من الأشخاص والناشطين السياسيين والمدنيين، عدم كفاءة قوات الاستخبارات في توفير الأمن للمواطنين.
وقالت نرجس محمدي، الناشطة الحقوقية المسجونة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، في رسالة من سجن “إيفين”، في إشارة إلى “العملية الإرهابية” الخامسة لـ “داعش” في إيران: إنه على الرغم من ادعاء النظام بتوفير الأمن للمنطقة، وإنفاق أموال ضخمة وغير خاضعة للمساءلة في هذا المجال، فإن “داعش” يواصل تنفيذ عمليات قاتلة في قلب إيران.
وأدان تحالف “الاتحاد من أجل جمهورية ديمقراطية علمانية في إيران”، في بيان له، بشدة “الهجوم الإرهابي الشنيع” في كرمان، وقال إن هذه الانفجارات “كشفت مرة أخرى عن نفاق السلطة الأمنية في إيران”.
وكتب عبدالله مهتدي، الأمين العام لحزب كومله الكردستاني الإيراني، في معرض إدانته للتفجيرات في كرمان، على حسابه في موقع( X)، أنه على الرغم من قبول “داعش” المسؤولية، فإنه بالنظر إلى العديد من النقاط الغامضة وتاريخ الخداع لدى النظام الإيراني، “فمن الطبيعي أن يوجه الرأي العام أصابع الاتهام نحو النظام الإيراني والحرس الثوري الإرهابي، حتى تتضح الحقيقة بشكل كامل”.
وأشار المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين إلى مقتل أكثر من 20 تلميذًا في تفجيرات كرمان، وإقامة معسكرات “زائر الجنة”، واصفًا التلاميذ بأنهم ضحايا سياسات الدعاية لمؤسسة التربية والتعليم في البلد، وكتب أن حضور معظم التلاميذ كان بتخطيط من دوائر التعليم، ودون حضور عائلاتهم.
وأشارت مجموعة من الطلاب الناشطين في جامعة “تربيت مدرس” إلى التفجيرات في كرمان، وتساءلت: “ألم يكن الأسلوب الذي استخدمه النظام لقمع المتظاهرين في انتفاضة المرأة، الحياة، الحرية، شكلًا من أشكال الإرهاب الحكومي؟”.
وجاء في بيان الناشطين الطلابيين في جامعة “تربيت مدرس”، أن النظام الإيراني لا يمكنه أن يضع نفسه بشكل احتيالي كحامٍ لأمن البلاد والشعب، وأنه ليس في وضع أخلاقي يسمح له بإدانة الهجمات الإرهابية، حتى إذا لم يكن له دور مباشر فيها.