فيما المواجهات بين إسرائيل وحزب الله تتواصل على طول الحدود من دون أي حل يلوح في الأفق يُعيد الأوضاع الميدانية إلى ما قبل السابع من أكتوبر الماضي، لا يزال عشرات آلاف اللبنانيين النازحين من القرى الحدودية، محرومين من العودة إلى منازلهم وحتى تفقّد أرزاقهم نتيجة وابل الغارات والقصف الإسرائيلي المستمر.
فعلى بُعد أقل من شهر من الذكرى السنوية الأولى لاشتعال جبهة “المشاغلة والمساندة” كما سمّاها حزب الله تضامناً مع حماس في غزة، لا يبدو أن فرصة عودة النازحين من أهالي الجنوب إلى قراهم متاحة، لاسيما ألا أحد يعلم متى تنتهي الحرب، لا بل إن أعدادهم ترتفع شهرياً.
وبحسب أحدث تقرير لمكتب منسّق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن أكثر من 113 ألف نزحوا من القرى الجنوبية الحدودية حتى تاريخ 6 سبتمبر/أيلول الجاري في حين كان عدد النازحين حتى تاريخ 8 أغسطس 102 ألف.
“لا حياة طبيعية”
ومع أن زعيم حزب الله حسن نصرالله دعا في كلمته يوم الردّ على مقتل القيادي فؤاد شكر في 25 أغسطس الفائت، الناس “للعودة إلى الحياة الطبيعية” وهو ما يُفهم منه عودة النازحين إلى قراهم، إلا أن أحداً لم يفعل. بل إن أعدادهم ارتفعت في الشهرين الفائتين، وأي عودة ولو “مؤقتة” لتفقّد الأرزاق تتم بعد التنسيق مع الجيش اللبناني والصليب الأحمر الدولي والقوات الدولية “اليونيفيل”.
وفي حين انشغل الوسط اللبناني خلال الساعات الماضية بمعلومات صحافية عن أن حزب الله طلب من أهالي بلدات جنوبية إخلاءها منذ أمس تحسّباً لعمليات أمنية إسرائيلية واسعة باتت متوقّعة مع ازدياد منسوب التهديد والاستعداد لشنّ حرب على لبنان، سارع الحزب إلى النفي، مع العلم أن الحرب الدائرة أفرغت القرى الحدودية من سكّانها الذين يرفضون العودة قبل انتهاء المواجهات.
عودة بمواكبة الجيش
وفي السياق أكد إبراهيم، أحد سكان بلدة كفركلا الحدودية، لـ “العربية.نت والحدث.نت” “أن البلدة شبه خالية بسبب استمرار المعارك، وبعض الأهالي عادوا لتفقّد أرزاقهم فقط والإتيان ببعض الأغراض، وذلك بوقت محدد بمواكبة من الجيش اللبناني وقوات اليونيفل”.
كما أشار الرجل الذي رفض النزوح من بلدته إلى “أن أكثر من 500 وحدة سكنية من أصل 1500 في بلدة كفركلا مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي”.
وكما كفركلا، باتت مدينة الخيام القريبة من الحدود شبه خالية من سكانها، ولا يقصدها أهلها إلا للضرورة القصوى بعد التنسيق مع الجيش وقوات حفظ السلام الدولية.
دمار كبير
بدوره، أكد أحمد (اسم مستعار) من الخيام لـ”العربية.نت والحدث.نت” “أن القرية باتت شبه خالية وحجم الدمار فيها كبير، ولا يُمكن العودة إليها قبل انتهاء الحرب نهائياً”.
هذا وأشارت مصادر جنوبية مطّلعة لـ”العربية.نت والحدث.نت” إلى أن الأهالي يرفضون العودة بسبب استمرار الأعمال الحربية”.
لكنها أوضحت “أن عدداً من التجار في بلدتي ميس الجبل والعديسة مثلاً عادوا مؤقتاً من أجل نقل بضائعهم من المستودعات، وذلك طبعاً بالنسيق مع الجيش اللبناني وبمواكبة من الصليب الأحمر والقوات الدولية”.
ولفتت إلى “أن حجم الدمار كبير جداً في القرى والبلدات الحدودية، لاسيما المواجهة للشريط الحدودي، ومعظم النزوح منها مُنحصر بالجنوب، أي باتّجاه مناطق بعيدة نسبياً عن الحدود، ولا رغبة للأهالي بالعودة قبل تثبيت الاستقرار على طول الحدود”.
ضغط القصف والغارات
من جهتها، أوضحت مصادر مقرّبة من الحزب أن “النزوح من القرى الحدودية فرضه ضغط القصف والغارات الإسرائيلية”.
وأقرّت “بأن زعيم حزب الله وجّه دعوة عامة إلى كل النازحين للعودة إلى حياتهم الطبيعية، إلا أن توسّع نطاق العمليات الإسرائيلية حال دون تحقيق ذلك، ومن حق الناس أن تُقرر ما تريد”.
إلى ذلك، أكدت المصادر “ألا مؤشرات لدى الحزب على قيام الجيش الإسرائيلي بعمليات أمنية واسعة جنوب لبنان كما تردّد، وإذا “فكّر” الإسرائيلي بأي سيناريو مشابه فإن المواجهة ستكون أقوى مما يجري في قطاع غزة”.
ومنذ الثامن من أكتوبر، أدخل حزب الله لبنان في عملية مواجهات شبه يومية، بفتحه جبهة الجنوب من دون الرجوع حتى إلى الحكومة اللبنانية أو البرلمان، ما شكّل فرصة لمعارضيه لتوجيه سهام الانتقاد إليه وتحميله مسؤولية ما يجري في الجنوب ونزوح سكان القرى الحدودية.
في حين أدت المواجهات على جانبي الحدود إلى مقتل 610 أشخاص على الأقل في لبنان، بينهم 394 من حزب الله، و135 مدنياً، وفق فرانس برس.
كما دفعت بمئات آلاف اللبنانيين إلى ترك منازلهم والنزوح من الجنوب هرباً من القصف.
أما في إسرائيل، فأحصت السلطات مقتل 24 عسكرياً، و26 مدنيا على الأقل، بينهم 12 قتلوا في الجولان السوري المحتل.