دخلت الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني في إيران أسبوعها الرابع رغم الحملة الأمنية الدامية التي شنتها السلطات.
وتسللت شعلة الغضب إلى الجامعات والمدارس، حيث رددت الطالبات شعارات ضد السلطة والحكم، داعيات بالفم الملآن إلى “رحيل الملالي” وسقوط “الديكتاتور” في إشارة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي.
كذلك هتف الشباب في العديد من الشوارع رغم الانتشار الأمني، “الموت للظالم”.
إلى ذلك، تبنى المتظاهرون تكتيكات جديدة لإيصال رسائلهم، في ظل القيود التي فرضت على خدمة الإنترنت بهدف عرقلة محاولات التجمّع ومنع انتشار صور الحملة الأمنية.
“لم نعد نخاف.. سنقاتل”
فقد علق البعض لافتة ضخمة على جسر فوق طريق “مدرّس” السريع الذي يمر في وسط طهران “تحمل عبارة لم نعد نخاف.. سنقاتل”.
كما رجل في تسجيل انتشر بين الإيرانيين على مواقع التواصل، وهو يبدّل كلمات لافتة حكومية كبيرة كُتب عليها “الشرطة في خدمة الشعب” إلى “الشرطة قتلة الشعب”.
“الذباب”
إلا أن رئيس البلاد، ابراهيم رئيسي لم ير في أصوات الشباب الصادحة هذه إلا “ذباباً”، إذ وصفهم خلال مخاطبته الأساتذة والطلاب في جامعة الزهراء في طهران، أمس بـ “مثيري الشغب” والذباب!
لكن بعيدا عن تلك التوصيفات، يجمع العديد من المراقبين على أن توقاً غير مسبوق للتغيير ظهر بين أوساط الجيل الجديد أو أولئك الشباب الضليعين بشؤون الإنترنت، بل هم وليدة تلك التكنولوجيا الحديثة، أو ما يعرف بالجيل “زد” .
“الجيل زد”
وفي هذا السياق، رأت كايلي مور جيلبرت، الخبيرة في الشؤون الإيرانية والرهينة السابقة في طهران أن “عامل الخوف في إيران حطمه شباب البلاد الشجعان”، بحسب ما نقلت عنها صحيفة التلغراف البريطانية اليوم الخميس.
كما أوضحت أن جيل الشباب في إيران لم يعرف قط حكومة غير “الجمهورية الإسلامية”، ولم يعرف زعيماً أو حاكما غير خامنئي.
وأضافت قائلة “نخب النظام كبيرة في السن ، على الرغم من أن 60 في المائة من سكان البلاد تقل أعمارهم عن 30 عامًا.”
إلى ذلك، أشارت إلى أن “هذا الجيل الشاب، مثل الشباب في جميع أنحاء العالم ، يتوق إلى حرية التعبير عن أنفسهم والعيش بالطريقة التي يرونها مناسبة، فشيخوخة إيران الدينية ببساطة لا علاقة لها بحياتهم”
وقد ألمح إلى ذلك، بشكل غير مباشر، وزير التراث، عزت الله زرغامي الأسبوع الماضي، عبر اعترافه بأن سبب الاحتجاجات هو “الاغتراب الجماعي للمواطنين الشباب” وفق تعبيره. وقال”إن المشاهد غير المسبوقة لما يحدث في مدارس بناتنا ترجع إلى افتقار نظامنا لأي هوية ثقافية مناسبة لشبابنا”.
إذا هناك هوة بين معظم الشباب في البلاد وبين حكامها ونظامها العجوز الذي يتحكم فيه “ولي الفقيه” بكل شيء من اللباس حتى التوجهات السياسية، ما دفع الشباب إلى “الانفجار”، صارخين كفى، ورافعين شعار “الحياة والحرية”.
“ضاهي هشتادي”
يشار إلى أن “الجيل زد” الشاب المتبحر في عالم الإنترنت، يعرف باسم “ضاهي هشتادي” باللغة الفارسية، أي “الثمانينيات” ، في إشارة إلى السنوات 1375-1389 في التقويم الإيراني.
أما في الغرب ، فتدل عبارة الجيل Z على أولئك الذين ولدوا بين عامي 1997 و 2012 أو أكثر .
وعلى عكس الأجيال السابقة، منح الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي تلك الشريحة منصة ضخمة للتحدث ضد النظام سواء عبر تويتر أو تيك توك وانستغرام. وقد عبروا خلال السنوات الماضية رغم التعتيم والحجب عن آرائهم بشجاعة، قبل أن ينتقلوا منذ أسابيع أخيراً إلى الشارع.
“امرأة، حياة، حرية”
يذكر أن الاحتجاجات كانت تواصلت أمس السبت في طهران وغيرها من المدن في البلاد لاسيما في محافظة كردستان (غربا) للأسبوع الرابع على التوالي.
ففي مدينة سقز التي تتحدر منها أميني راحت طالبات المدارس يهتفن “امرأة، حياة، حرية” بينما خرجن في مسيرة في أحد الشوارع وهن يلوحن بحجابهن فوق رؤوسهن، بحسب ما أفادت مجموعة “هنكاو” الحقوقية
في حين انتشرت تسجيلات واسعة النطاق على تويتر لرجل بدا أنه قُتل بينما كان جالسا خلف مقود سيارته في سنندج، بينما سمع إطلاق النار في أحد التسجيلات.
إلا أن قائد شرطة المحافظة علي أزادي زعم أن الرجل “قتلته قوات معادية للثورة”.
بينما أظهر فيديو تم تداوله على نطاق واسع رجالا غاضبين ينتقمون من عنصر في ميليشيا الباسيج في سنندج حيث حاصروه وتعرّضوا له بالضرب المبرح.
ما دفع السلطات إلى قطع الانترنت في تلك المنطقة، بحسب ما أكدت منظمة مراقبة الأمن السيبراني وحوكمة الانترنت “نيتبلوكس” ، مشيرة إلى أن خدمة الانترنت انقطعت في سنندج، وعطّلت الشبكة الوطنية للهواتف المحمولة.
وكانت أميني توفيت في 16 سبتمبر (2022) بعد ثلاثة أيام من اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق، ومن ثم نقلها إلى أحد المستشفيات في طهران.
وقد أشعلت وفاتها منذ ذلك الحين نار الغضب في البلاد، حول عدة قضايا، من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية والقواعد الصارمة المتعلقة بملابس المرأة، فضلاً عن الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيون، ناهيك عن القواعد الصارمة التي يفرضها نظام الحكم وتركيبته السياسية بشكل عام.