قُتِل أكثر من 62 شخصا وأصيب 146 بجروح في إطلاق نار أعقبه حريق ضخم مساء الجمعة في قاعة للحفلات الموسيقيّة بضواحي العاصمة الروسيّة، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليّته عن الهجوم.
وأكّد الأمن الروسي أنّه “يبحث” عن المهاجمين؛ فيما قالت لجنة التحقيق إنه “جارٍ فحص جثث المتوفّين. ثبُت موقتا أنّ الهجوم الإرهابي خلّف أكثر من 60 قتيلا. للأسف، عدد الضحايا يمكن أن يرتفع”، حسبما نقلت عنها وكالات أنباء روسيّة. هذا وذكرت وسائل إعلام روسية أن السلطات ألقت القبض على أحد المشتبه بهم في الهجوم.
وبعد ساعات من الهجوم، أعلنت الولايات المتحدة أنها حذرت روسيا في مارس من هجوم إرهابي مُحتمل ضدّ “تجمّعات كبيرة” في موسكو، حسبما أعلن البيت الأبيض الجمعة.
وأجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السبت محادثات مع مسؤولي إنفاذ القانون والإنقاذ بعد الهجوم.
ونقلت وكالات أنباء روسيّة عن الكرملين أنّ بوتين تلقّى تقارير من رئيس أجهزة الأمن، ولجنة التحقيق، والحرس الوطني، ومن وزراء الداخليّة والصحّة وحالات الطوارئ.
وأعلن تنظيم داعش الذي استهدف روسيا مرات عدّة، في بيان على “تليغرام” أنّ مقاتليه “هاجموا تجمّعا كبيرا (…) في محيط العاصمة الروسيّة موسكو”. وزعم التنظيم أنّ مقاتليه “انسحبوا إلى قواعدهم بسلام”.
وأعلن وزير الصحّة ميخائيل موراشكو في وقت لاحق أنّ 146 شخصًا نُقلوا إلى المستشفى، بينهم خمسة أطفال. ومن بين المصابين، هناك 60 شخصا بالغا وقاصر واحد في حالة خطرة.
“جريمة فظيعة”
وندّدت المتحدّثة باسم الخارجيّة الروسيّة ماريا زاخاروفا بهذا “الاعتداء الإرهابي الدامي” و”الجريمة الفظيعة”، فيما أعلنت اللجنة المكلّفة التحقيقات الجنائيّة الكبرى في البلاد أنّها “فتحت تحقيقا جنائيا في عمل إرهابي”.
الهجوم الذي بدأت وسائل الإعلام الروسيّة في الإبلاغ عنه حوالي الساعة الثامنة والربع مساء (15:30 غرينتش)، نفّذه عدد من المسلّحين في كروكوس سيتي هول، وهي قاعة للحفلات الموسيقيّة تقع في كراسنوغورسك عند المخرج الشمالي الغربي للعاصمة.
واجتاح المبنى حريق كبير، وتصاعدت أعمدة من الدخان الأسود من سطحه، فضلا عن انتشار كثيف جدا للشرطة وخدمات الطوارئ.
وقال أليكسي، وهو منتج موسيقي كان في غرفة تبديل الملابس وقت الهجوم، لفرانس برس “قبل البداية مباشرة، سمعنا فجأة رشقات ناريّة عدّة من أسلحة رشّاشة وصراخ امرأة ثمّ الكثير من الصراخ”. وأضاف أنّه رأى الجمهور يتدافع سعيا إلى الهرب.
ووفق صحافي في وكالة أنباء “ريا نوفوستي” العامّة، اقتحم أفراد يرتدون ملابس مموّهة قاعة الحفل قبل أن يفتحوا النار ويُلقوا “قنبلة يدويّة أو قنبلة حارقة، ما تسبّب في نشوب حريق”.
وقال الصحافي: “ارتمى الأشخاص الموجودون في القاعة أرضا للاحتماء من إطلاق النار لمدّة 15 إلى 20 دقيقة، وبعد ذلك بدأوا بالزحف للخروج. وتمكّن كثيرون من الخروج”.
امتدّت النيران إلى ما يقرب من 13 ألف متر مربّع من المبنى قبل احتواء الحريق، وفق خدمات الطوارئ. لكن حوالي الساعة الواحدة فجرا السبت (23:00 غرينتش الجمعة) كان الحريق لا يزال مشتعلا، وفق الوزارة التي استخدمت مروحيّات في عمليات الإطفاء.
وأورد التلفزيون الروسي أنّ سقف المبنى انهار جزئيا. ولم تتوافر معلومات عن عدد الأشخاص الذين يُحتمل أن يكونوا محاصرين في الداخل.
تعزيز الإجراءات الأمنية
وقال المتحدّث باسم الرئاسة ديمتري بيسكوف إنّ بوتين يتلقّى “باستمرار” مستجدّات الهجوم، وتمّ إبلاغه “منذ الدقائق الأولى” لوقوعه.
ونشرت قناتا “بازا” و”ماش”، المعروفتان بقربهما من الشرطة، على “تليغرام” مقاطع فيديو تظهر مسلّحَين على الأقلّ يتقدّمان في القاعة، وأخرى تظهر جثثا ومجموعات من الأشخاص يندفعون نحو المخرج.
وتظهر صور أخرى متفرّجين يختبئون خلف مقاعد أو يغادرون قاعة الحفلات الموسيقيّة.
وبحسب وزارة الطوارئ الروسيّة، تمكّن عناصر الدفاع المدني من إجلاء حوالي 100 شخص كانوا في الطبقة السفليّة من قاعة الحفلات الموسيقيّة. فيما جرت عمليّات “لإنقاذ أشخاص من سطح المبنى باستخدام معدّات الرفع”.
وأعلن رئيس بلديّة موسكو سيرغي سوبيانين إلغاء كلّ الفعاليّات العامّة. كما أعلنت المتاحف والمسارح الرئيسيّة في العاصمة إغلاق أبوابها.
كذلك، تمّ تعزيز الإجراءات الأمنيّة، بحسب التلفزيون الروسي، خصوصا في المطارات. وذكرت وكالة “تاس” أنّ الهجوم وقع خلال حفل موسيقي لفرقة الروك الروسيّة “بيكنيك”.
تنصل ونفي أوكراني
ونفت أوكرانيا “أيّ علاقة لها” بالهجوم، وقال مستشار الرئاسة ميخايلو بودولياك عبر تلغرام “لنكن واضحين، أوكرانيا ليست لها أيّ علاقة بهذه الأحداث”.
كما أكّد “فيلق حرية روسيا” المؤلّف من مقاتلين روس يحاربون إلى جانب أوكرانيا، في بيان أنّ “الفيلق ليس في حالة حرب مع الروس المسالمين”، متهما قوّات الأمن الروسيّة بالتخطيط للهجوم.
من جهتها، اتّهمت الاستخبارات العسكريّة الأوكرانيّة الأجهزة الخاصّة الروسيّة بالتخطيط للهجوم، معتبرة أنّه “يجب أن يُفهم على أنّه تهديد من بوتين لإثارة التصعيد وتوسيع الحرب” الجارية منذ أكثر من عامين.
تحذير أميركي
وكانت السفارة الأميركيّة في روسيا قد حذّرت مواطنيها قبل أسبوعين من أنّ “متطرّفين لديهم خطط وشيكة لاستهداف تجمّعات كبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقيّة”.
وعقب الحادث مساء الجمعة، قالت أدريان واتسون، المتحدّثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، “في وقت سابق هذا الشهر، كانت لدى الإدارة الأميركيّة معلومات بشأن مخطّط هجوم إرهابي في موسكو يُحتمل أن يستهدف تجمّعات كبيرة، بما في ذلك الحفلات الموسيقيّة، وقد تشاركت واشنطن هذه المعلومات مع السلطات الروسيّة”.
وأضافت واتسون أنّ إدارة الرئيس جو بايدن طبّقت سياسة “واجب التنبيه” المعتمدة منذ زمن طويل، وبموجبها تخطر الولايات المتحدة الدول المُستهدَفة عندما تتلقّى معلومات استخباريّة حول تهديدات محدّدة تتعلّق بعمليّات خطف أو اغتيالات.
وقالت ماريا زاخاروفا الجمعة “إذا كانت لدى الولايات المتحدة أو إذا حصلت على بيانات موثوقة حول هذا الموضوع، فيجب عليها نقلها على الفور إلى الجانب الروسي”.
وشهدت روسيا هجمات عدّة في الماضي ارتكبتها جماعات متطرّفة، كما شهدت عمليّات إطلاق نار من دون دوافع سياسيّة أو منسوبة إلى أشخاص غير متوازنين نفسيا.
وفي عام 2002، احتجز مقاتلون شيشانيّون 912 شخصا رهائن في مسرح دوبروفكا بموسكو للمطالبة بانسحاب القوّات الروسيّة من الشيشان.
وانتهت عمليّة احتجاز الرهائن بهجوم شنّته القوّات الخاصّة أسفر عن مقتل 130 شخصا، جلّهم قضى اختناقا بالغاز الذي استخدمته الشرطة.