انطلق اليوم الثلاثاء مؤتمر الدول المانحة للبنان، عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، وهو مؤتمرها الثالث منذ الانفجار “من أجل لبنان”، حيث تأمل أن تجمع خلاله مبلغ 350 مليون دولار.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر: “سنقدم مساعدات باليورو إلى لبنان لدعم العائلات والتلامذة والقطاع التربوي. وفرنسا سترسل إلى لبنان غداً شحنة إضافية من الأدوية”، مضيفاً أن “فرنسا ستساهم بإعادة إعمار مرفأ بيروت”. كما سترسل فرنسا 500 ألف جرعة من لقاحات كورونا للبنان.
وحياّ ماكرون “دور الجيش اللبناني الأساسي بدعم الاستقرار”. وأشار إلى أن المساعدة التي سيقدمها البنك الدولي للبنان “ستصرف بشفافية”.
واعتبر أن “أزمة لبنان هي ثمرة فشل جماعي.. كل الطبقة السياسية اللبنانية مسؤولة عن الأزمة.. الطبقة السياسية اللبنانية مسؤولة جميعها عن الوضع المأساوي”.
وتابع: “لم يتم الإيفاء بأي التزام ولبنان يستحق أكثر من ذلك”، مضيفاً: “يجب تشكيل حكومة وإيجاد تسويات وتطبيق خارطة الطريق”.
وشدد على أن “مؤتمر اليوم إنساني ولن يكون هناك شيك على بياض”، مضيفاً: “اتخذنا تدابير صارمة ضد السياسيين اللبنانيين الفاسدين”.
وذكّر ماكرون بأن “الشعب اللبناني ينتظر نتائج التحقيق بالمرفأ”، وأن فرنسا “مستعدة للتعاون التقني”.
وبشأن الانتخابات النيابية العام المقبل، قال: “على الجميع تحمّل مسؤولياتهم لتحقيق الانتخابات في الربيع المقبل”.
وتابع: “ليطمئن الشعب اللبناني فرنسا والمجتمع الدولي إلى جانبكم”، واعداً “بالتزامات جديدة لدعم مباشر للشعب اللبناني” بـ100 مليون يورو”. وختم: “أزمة لبنان ليست نتيجة قضاء وقدر بل نتيجة نظام سياسي يعاني خللا وظيفياً”.
من جهته، قال الرئيس اللبناني ميشال عون: “بلادنا غرقت في الأزمات السياسية والتفاصيل منعت تشكيل الحكومة”، متمنياً “تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية وإجراء الانتخابات”.
وأضاف: “المبلغ الذي سنحصل عليه من الصندوق الدولي يجب أن ينفق بشكل يمنع الانهيار”، مضيفاً: “نتمسك بعملية التدقيق بحسابات البنك المركزي”.
وتابع عون” أشكر كل الدول والمؤسسات على المساعدات التي أرسلوها خلال العام المنصرم.. لبنان يعتمد عليكم لا تخذلوه”.
كما قال إن “إعادة التشغيل الكامل لمرفأ بيروت ضرورة ملحة ولبنان يرحب بأي جهد دولي بهذا الإطار”.
ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجمع أكثر من 350 مليون دولار من المساعدات للبنان خلال مؤتمر للمانحين، الذي يهدف أيضاً لإرسال تحذير آخر إلى النخبة السياسية اللبنانية المتناحرة.
وبعد مرور عام على انفجار هز ميناء العاصمة وأغرق لبنان في أزمة اقتصادية، لم يشكل الساسة بعد حكومة قادرة على إعادة بناء البلاد على الرغم من الضغوط الفرنسية والدولية.
وقال مستشار لماكرون للصحافيين: “بما أن الوضع مستمر في التدهور، فالحاجة إلى حكومة باتت أكثر إلحاحا”.
جهود دولية لانتشال لبنان من الأزمة
وقادت فرنسا الجهود الدولية لانتشال لبنان من الأزمة. وزار ماكرون بيروت مرتين منذ انفجار المرفأ، وزاد مساعدات الطوارئ وفرض حظر سفر على بعض كبار المسؤولين اللبنانيين في إطار سعيه للحصول على حزمة إصلاحات.
كما أقنع الاتحاد الأوروبي بالموافقة على إطار عقوبات جاهز للاستخدام.
لكن مبادراته، بما في ذلك الحصول على تعهدات من السياسيين اللبنانيين بالاتفاق على حكومة خبراء غير طائفية، باءت بالفشل حتى الآن.
وجمع مؤتمر العام الماضي في أعقاب الانفجار حوالي 280 مليون دولار، وحُجبت المساعدات الطارئة عما وصفه ماكرون آنذاك بأنها “أيد فاسدة” للسياسيين وتم إيصالها عبر المنظمات غير الحكومية وجماعات الإغاثة.
وذكر مكتب ماكرون أن المساعدات الإنسانية الجديدة ستكون غير مشروطة، لكن حوالي 11 مليار دولار من التمويل طويل الأجل الذي تم جمعه في 2018 لا يزال محجوبا ومشروطا بسلسلة من الإصلاحات التي لا بد أن تنفذها السلطات السياسية.
انفجار مرفأ بيروت
وفي الرابع من أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق (15:00 غرينتش) انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، وألحق دماراً ضخماً في المرفأ وأحياء في محيطه وطالت أضراره معظم المدينة وضواحيها.
وعزته السلطات إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ العام 2014 في المعبر رقم 12 في المرفأ.
وقتل الانفجار 214 شخصاً على الأقل بينهم موظفون في المرفأ وعناصر فوج إطفاء كانوا يحاولون إخماد الحريق، كما قتل أشخاص في منازلهم جراء الزجاج المتساقط وآخرون في سياراتهم أو في الطرق والمقاهي والمحلات. ودفنت عائلات كثيرة مجرد أشلاء بقيت من أبنائهم.
وفي بلد شهد خلال السنوات العشرين الماضية، اغتيالات وتفجيرات لم يكشف النقاب عن أي منها، إلا نادرا، ولم يحاسب أي من منفذيها، لا زال اللبنانيون ينتظرون أجوبة لتحديد المسؤوليات والشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم.
حداد ومسيرات
وأعلنت السلطات الأربعاء يوم حداد، لكن لا مشاركة رسمية أو لأي مسؤول في أي من التحركات العديدة التي نظمت لإحياء الذكرى.
وعمّقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف العام 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700% خلال عامين.
ومنذ انفجار المرفأ، يقدّم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة الى اللبنانيين من دون المرور بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والهدر.